نبراس

المخدرات في المدارس..أسباب الغواية وسبل الاستدراج

أ.أحمد عبدالغني الثقفي

وزارة الإعلام

المخدرات آفة تهدد المجتمعات، وتستهدف بشكل خاص فئة الشباب والمراهقين، باعتبارهم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للتأثر والانجراف وراء الإغراءات. وتُعَدُّ المدارس بيئةً خصبةً لهذه الآفة، حيث يسعى تجار المخدرات ومروّجوها إلى استدراج الطلاب بأساليب مدروسة ومتقنة، مستغلين قلة خبرتهم، وضعف إدراكهم لمخاطر هذه السموم.

في هذا المقال، نسلط الضوء على أسباب سهولة استدراج الطلاب إلى عالم المخدرات، وطرق الغواية التي يعتمدها المروجون، وآثار هذه الظاهرة المدمرة على الأفراد والمجتمع، وأخيرًا الحلول الممكنة للحد من انتشارها في المدارس.

لماذا طلاب المدارس هدف سهل لمروجي المخدرات؟

يعتبر الطلاب، وخاصة في مرحلة المراهقة، من الفئات الأكثر استهدافًا من قبل عصابات تجارة المخدرات، وذلك لعدة أسباب، أبرزها:

1. الفضول والرغبة في التجربة

يمر المراهق بمرحلة حب الاستكشاف والتجربة، فيسهل استدراجه لتجربة المخدرات من باب الفضول، خاصة إذا رأى زملاءه يتعاطونها دون أن يدرك عواقبها الوخيمة.

2. ضعف الوعي بمخاطر المخدرات

رغم الجهود التوعوية، إلا أن هناك قصورًا في فهم الطلاب لحجم الضرر الناجم عن تعاطي المخدرات، فالبعض يعتقد أنها مجرد وسيلة للمتعة والاسترخاء، دون إدراك العواقب الصحية والاجتماعية التي تنتظرهم.

3. التأثير السلبي للأصدقاء (رفقاء السوء)

الصديق قد يكون بوابة الهلاك أو باب النجاة، والمراهق غالبًا ما يكون متأثرًا بأصدقائه أكثر من أسرته، فإذا كان محاطًا بأصدقاء يتعاطون المخدرات، فإنه قد ينجرّ إلى التجربة بدافع القبول الاجتماعي أو الخوف من الرفض والسخرية.

4. الضغط النفسي والاجتماعي

الكثير من الطلاب يعانون من ضغوط نفسية واجتماعية، سواءً كانت مشاكل أسرية، أو دراسية، أو حتى عاطفية، فيلجأ بعضهم إلى المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع ونسيان المشاكل، ولو مؤقتًا.

5. سهولة الوصول إلى المخدرات داخل وخارج المدرسة

رغم تشديد الرقابة، إلا أن بعض المروجين يجدون طرقًا ذكية لإدخال المخدرات إلى بيئات المدارس، سواء عبر طلاب آخرين، أو حتى عبر الباعة الجائلين، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصة لترويج الممنوعات.

أساليب المروجين لاستدراج الطلاب إلى المخدرات

يعتمد تجار المخدرات والمروجون على حيل نفسية واجتماعية معقدة للإيقاع بالطلاب، منها:

1. التوزيع المجاني في البداية

يقوم المروجون أحيانًا بإعطاء الطلاب المخدرات مجانًا في المرات الأولى، حتى يدمنوا عليها، ثم يطلبون منهم الدفع بعد ذلك، مستغلين حاجتهم المتزايدة للجرعة.

2. الإيهام بأنها مواد غير مضرة

بعض المروجين يخدعون الطلاب بإقناعهم بأن المخدرات ليست خطيرة، وأنها مجرد مواد تساعد على التركيز والاسترخاء والسعادة، خاصة مع انتشار أنواع جديدة من المخدرات الصناعية التي يسوّق لها على أنها “آمنة”.

3. استخدام قدوة زائفة

قد يستخدم المروجون شخصيات محبوبة بين الطلاب – مثل طالب رياضي أو شخص ذو شعبية – لإقناع الآخرين بأن تعاطي المخدرات أمر عادي ولا يشكل خطرًا، مما يسهل التلاعب بعقول المراهقين.

4. الابتزاز والتهديد بعد الوقوع في الفخ

بمجرد أن يقع الطالب في الفخ، يبدأ المروجون بابتزازه وتهديده بفضحه أمام أسرته ومدرسته إن لم يستمر في التعاطي، بل قد يجبرونه على العمل كوسيط لتوزيع المخدرات داخل المدرسة لتسديد ديونه.

5. الاستدراج العاطفي

بعض المروجين يستغلون حاجة الطلاب إلى الشعور بالانتماء أو البحث عن الحب والاهتمام، فيستخدمون أساليب مثل إقناعهم بأن المخدرات ستجعلهم أكثر انفتاحًا وجرأة، أو ستساعدهم على تجاوز الأزمات العاطفية.

الآثار المدمرة لتعاطي المخدرات على الطلاب

تعاطي المخدرات لا يؤثر فقط على صحة الطلاب، بل يدمر حياتهم المستقبلية، ومن أخطر الآثار:

1. التدهور الدراسي والطرد من المدرسة

المخدرات تؤثر بشكل مباشر على القدرة على التركيز والاستيعاب، مما يؤدي إلى تدني المستوى الدراسي، وقد ينتهي الأمر بالطالب إلى الطرد من المدرسة.

2. الانحراف والجريمة

عندما يدمن الطالب على المخدرات، يبدأ بفقدان السيطرة على سلوكه، مما قد يدفعه إلى السرقة، أو التورط في الجرائم، أو حتى العمل كمروج بنفسه.

3. المشاكل الصحية والنفسية

الإدمان يؤدي إلى أمراض جسدية مثل تدمير الجهاز العصبي، وأمراض الكبد والقلب، إضافة إلى مشاكل نفسية مثل الاكتئاب الحاد، والهلاوس، والانفصام.

4. التفكك الأسري والمجتمعي

عندما يكتشف الأهل أن ابنهم يتعاطى المخدرات، قد تتدهور العلاقة الأسرية، ويصبح هناك خلافات دائمة، مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وخلق مشكلات اجتماعية.

كيف نتصدى لهذه الظاهرة في المدارس؟

مكافحة المخدرات بين الطلاب تتطلب جهودًا مشتركة من الأهل، والمدرسة، والمجتمع، والجهات الأمنية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:

–  تعزيز التوعية الشاملة: عبر إدراج برامج تثقيفية في المدارس عن مخاطر المخدرات وأساليب المروجين.
– تعزيز الرقابة المدرسية: من خلال إجراء تفتيش دوري، وتدريب المعلمين على اكتشاف علامات التعاطي المبكر.
–  تقوية العلاقة بين المدرسة والطلاب: بحيث يشعر الطالب بالأمان للحديث عن أي محاولات لإغوائه أو الضغط عليه.
– تعزيز دور الأسرة: يجب على الأهل أن يكونوا قريبين من أبنائهم، وأن يراقبوا سلوكهم، ويعززوا لديهم الثقة بالنفس.
–  توفير بدائل صحية وأنشطة مفيدة: مثل تشجيع الطلاب على ممارسة الرياضة والفنون، والانضمام إلى النوادي المدرسية.
–  الإبلاغ عن المروجين دون تردد: إذا اشتبهت المدرسة أو الأهل في وجود مروجين داخل أو حول المدرسة، يجب التبليغ عنهم فورًا للجهات المختصة.

المخدرات ليست مجرد مشكلة فردية، بل كارثة اجتماعية تهدد مستقبل الأجيال القادمة. واستهداف الطلاب يجعل الأمر أكثر خطورة، نظرًا لسهولة وقوعهم في فخ الإدمان. لذلك، فإن مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود بين الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والجهات الأمنية لحماية أبنائنا من السقوط في هذا الهاوية.

حماية الطلاب اليوم، تعني بناء مستقبل آمن وسليم لمجتمعنا غدًا.