نبراس

لماذا البيت؟

أ.فاطمة الأحمد 

كاتبة – إعلامية

 

كان يغمرنا فرحٌ كبير إذا رأينا البيت ونحن بالخارج..عند الدخول تنتهي كل المخاوف والتوجس والفجاج والفضاء المتسع جداً والذي يبدو لنا وكأننا سنضيع بداخله حتماً . نلج المأوى فعنده الأمان والاحتواء والسكينة فيزول كل شيء..هكذا كنا نرى البيت ونحن صغار.

البيت الذي لا يعرف تفسيره غير الصغير، ولا يبرع في تعريفهِ غيره.كان الحصن بأسوار لن يطولها أي هجوم، أو لصوص, أو صغار أقوياء متسلطون أو تهديدات مدرسية , أو سيارات مسرعة طائشة , أو أناس مجهولون كثر يسيرون بريبة في الظلمات, أو حتى طقس سيء وعاصف بالخارج. نجد في البيت انتهاء شيء لن نقاومه خارجاً، بل هو العالم العامر والأمان الحقيقي. لذلك فرؤية البيت من بعيد ثم الركض نحوه بمثابة المسارعة في الخلاص والاحتماء.

لذا فالخوف – بشكلٍ وتفسيرٍ ما- كان أول المشكلات كونه كان يعني لنا الانفصال عن مصدر القوة مؤقتاً ومواجهة تحديات ومصاعب ومجهول بالخارج بقدر تصورنا حينها والبقاء وحيدون أمامه, وعند باب البيت نوشك على النفاد والنجاة.

البيت كان يعني لنا كل شيء ,أسباب قوة ومساعد على النمو يرعى بداخلنا الطفولة بشكلها الطري دونما أي تعقيد أو انتهاكات. ويحول دونها ودون أي مساس . بل هو الذي يعدها يوماً بعد يوم كي تكون ذات ثقة عالية وقوة بجعلنا حين نكون بالخارج مستقلين متمكنين واثقين ونستطيع تمييز المخاطر والشر والسلوكيات السيئة ونرفض كل فكرة مخالفة ونتقدم وكل خطواتنا واثقة ونصنع النجاح كما تعلمنا.
كان البيت يجعلنا نشعر بالحياة والتوق لها بقصص تروى عن الفائزين الذين كانوا يوماً ما صغاراً مثلنا فنتحرق للإنطلاقة.

وبينما كان البيت آمناً وكله سكينة وطمأنينة,يقوم النمو فيه على أسس التعليمات الصحيحة تباعاً وكيفيات وأساليب التعاطي مع الحياة وفقاً للقواعد والضوابط التي تحفظنا , كما أن فيه عرفنا أنه يمكن التغلب على مخاوف الخارج بدون خشية شيء وهذا مطمئن ومفرح لنا , كان عند صغارٍ آخرين أكثر عنفاً وقسوة من الخارج . كان يخفض في ذواتهم بحالات الخلافات والتهديد والصراعات والقمع طاقة الإنطلاقة والحياة والسعادة.

وبطريقة ما, ومع عوامل مساعدة, و في البيت كان أول منشأ لها، تنبثق كثير من المعضلات , وبالتراكم تصبح هائلة وعصيبة ثم تتسع وتنتقل بالنمو مع كل عمر.الشيء ذاته لأن معاني البيت لديهم تحولت.
فماهي فكرة أولياء الأمور الذين اتخذوا من البيوت أمكان لتفريغ الحنق والغيظ و شحنات الخارج من توتر وسوء ونزاعات وخلافات أو حتى أن يكون على سبيل التربية عقاباً لخطأ ما بالحبس في زاوية منه؟!

هل كان سيكون مجدياً أن تخبر على مسمعٍ ومرئ من صغيرك عن فشل ذريع أو مرض أو خيبة أو مشكلة مالية ألمت بك؟!
ماهي الغاية أن يجبر الصغير على تنفيذ عقاب يتمثل في القيام بأعمال منزلية مثلاً ومضاعفة العقوبة عندما لا ينجح؟!
لماذا يكون البيت فكرة عقاب يحصل بها التأديب والاستقامة ومناسبة للمتراجعين في التحصيل التعليمي أو مرتكبي الأخطاء؟!

وستبقى لآمعة في ذاكرته بشتى شعورها البآئس وألمها إلى أن يتصور لديه ولو مجازاً وجود النجاة في الخارج .

أن تجهّز طفلاً داخل البيت بعتادٍ كبيرٍ راسخٍ من القيم والتعاليم والسلوك ليخوض به العالم وينظر للدنيا بشكل كامل, هذا يعني عملٌ عظيم ونجاحٌ ضخم والكثير لمستقبلٍ باهر وقدرة وصلابة وقوة وحياة سوية وصحة نفسية تامة.
وبمكان, فالبيت الذي لم تتوقف عند معناه العظيم للصغير من احتواءٍ كبير, وقوة , وأمن, وذاكرة, وتاريخ, وأرقام, ومسيرة, ونجاحات, وفوز، كان الوالدان أو من يقوم مقامهما غير مدركين لهذا الشأن. وبمعنى آخر مغاير، كالذي تضطره المغادرة بدون أن يكون مُجهزاً بعتادٍ ولا زاد لمسير طويلٍ جداً.. حتماً، سيواجه الكثير و يُهزم عند أصغر مشكلة ويضيع للأبد.