أ.أحمد عبدالغني الثقفي
وزارة الإعلام
في عالمنا المعاصر، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتتغير الأولويات، يواجه المجتمع تحديات جسيمة تهدد استقراره وتماسكه، ولعل من أخطر هذه التحديات آفة المخدرات التي باتت تفتك بالفرد والأسرة والمجتمع ككل. إنها مشكلة تتجاوز الإدمان الفردي إلى تأثيرات اجتماعية واقتصادية وأمنية خطيرة، تجعل مكافحتها ضرورة حتمية لا يمكن تجاهلها. تعد المخدرات من أخطر التحديات التي تواجه العالم اليوم، حيث تنتشر بسرعة بين مختلف الفئات العمرية، مستهدفة بالدرجة الأولى الشباب الذين يشكلون عصب المجتمع وأمله في المستقبل. لذا، فإن البحث عن حلول فعالة، واتخاذ إجراءات وقائية صارمة، وتعزيز الوعي المجتمعي، تعد أولى الخطوات في سبيل مكافحة هذه الظاهرة القاتلة.
المخدرات..خطر داهم يهدد الفرد والمجتمع
المخدرات ليست مجرد مواد كيميائية تغير حالة الوعي، بل هي سموم تفتك بالجسد والعقل وتدمر مستقبل الأفراد، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية وجسدية قد تنتهي بالموت. ومن أبرز المخاطر التي تترتب على تعاطي المخدرات:
1. التأثير على الصحة الجسدية والعقلية
• تسبب المخدرات تدهورًا في وظائف الجهاز العصبي، وتؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة مثل القلق، والاكتئاب، والفصام، وقد تصل إلى حد الانتحار.
• تؤثر على صحة القلب والكبد والرئتين، وتؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي، مما يجعل المدمن عرضة للأمراض المزمنة.
• بعض المواد المخدرة قد تسبب الإدمان الجسدي والنفسي منذ أول تجربة، مما يجعل التعافي منها أكثر تعقيدًا.
2. التأثير على الأسرة والمجتمع
• تفكك الأسر بسبب الإدمان، إذ يعاني أفراد الأسرة من التوتر والضغوط النفسية، وقد يصل الأمر إلى العنف الأسري أو التفكك التام.
• انخفاض مستوى التحصيل الدراسي والأداء الوظيفي، مما يؤدي إلى البطالة وزيادة معدلات الفقر والجريمة.
• ارتفاع معدلات الجريمة، حيث يلجأ المدمن إلى السرقة أو حتى القتل من أجل الحصول على المال لشراء المخدرات.
3. الأثر الاقتصادي
• تكبّد الحكومات والمجتمعات خسائر اقتصادية ضخمة بسبب تكاليف العلاج، وبرامج إعادة التأهيل، والخسائر الناتجة عن انخفاض الإنتاجية.
• تأثير سلبي على الاقتصاد بسبب تراجع القوى العاملة وتعطيل طاقات الشباب القادرة على المساهمة في التنمية.
أسباب انتشار المخدرات:
لكي نتمكن من مكافحة المخدرات، يجب أن نفهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشارها بين الأفراد، ومن أبرز هذه الأسباب:
1. ضعف الوازع الديني والقيمي
• عندما يبتعد الإنسان عن القيم الدينية والأخلاقية، يصبح أكثر عرضة للانحراف وتعاطي المخدرات.
2. التفكك الأسري وضعف الرقابة الأبوية
• الأسر المفككة والتي تعاني من غياب الحوار والتفاهم بين أفرادها تكون بيئة خصبة لانحراف الأبناء وتعاطيهم للمخدرات.
3. رفقاء السوء والتأثير المجتمعي
• أصدقاء السوء يلعبون دورًا كبيرًا في دفع الشباب إلى تجربة المخدرات، حيث يقدمونها كوسيلة للهروب من الواقع أو الترفيه.
4. الترويج الإعلامي السلبي
• بعض وسائل الإعلام تساهم في الترويج غير المباشر للمخدرات من خلال تصويرها كوسيلة للهروب من الضغوط أو كجزء من حياة الرفاهية.
5. البطالة والضغوط الاقتصادية
• الشباب العاطلون عن العمل يشعرون بالإحباط واليأس، مما يجعلهم عرضة للانحراف وتعاطي المخدرات كوسيلة لنسيان مشاكلهم.
طرق الوقاية من المخدرات:
مكافحة المخدرات لا تقتصر فقط على معاقبة المتعاطين أو تجار المخدرات، بل يجب أن تبدأ بالوقاية، وهي الخطوة الأهم في الحد من انتشار هذه الظاهرة. ومن أبرز وسائل الوقاية:
1. تعزيز الوعي والتثقيف
• نشر الثقافة حول أضرار المخدرات وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع من خلال المناهج الدراسية، ووسائل الإعلام، والمحاضرات التوعوية.
• التركيز على التثقيف الصحي في المدارس والجامعات، وتعريف الشباب بخطورة المخدرات وتأثيرها المدمر على مستقبلهم.
2. تعزيز دور الأسرة في الرقابة والتوجيه
• يجب أن يكون للأهل دور فعّال في توعية أبنائهم، وفتح قنوات للحوار معهم، وتعليمهم كيفية اتخاذ قرارات صائبة في حياتهم.
• مراقبة سلوك الأبناء ومعرفة أصدقائهم، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم حتى لا يكونوا عرضة للضغط الاجتماعي السلبي.
3. توفير فرص عمل ودعم الشباب
• توفير بيئة اقتصادية مستقرة توفر فرص العمل للشباب، مما يقلل من فرص انجرافهم نحو المخدرات بسبب البطالة واليأس.
• دعم الأنشطة الشبابية مثل الرياضة والفنون، والتي تساعد في توجيه طاقات الشباب إلى أنشطة إيجابية بدلًا من الانحراف.
4. تفعيل دور المؤسسات المجتمعية والجمعيات المتخصصة
• تقوم الجمعيات المختصة بدور كبير في التوعية والوقاية من المخدرات، من خلال تقديم برامج تدريبية، وعقد ندوات، وتقديم الاستشارات للأسر والمجتمع.
• من أبرز هذه المؤسسات مشروع نبراس الوطني، الذي تتبناه اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في المملكة العربية السعودية، حيث يعمل على تعزيز الوعي المجتمعي بأضرار المخدرات، وتقديم برامج متخصصة تهدف إلى وقاية المجتمع من هذه الآفة الخطيرة.
• كما تقدم الجمعيات المتخصصة خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للمتعافين من الإدمان، مما يساعدهم على إعادة الاندماج في المجتمع والتعافي التام.
دور الجمعيات والمبادرات الوطنية في مكافحة المخدرات:
يأتي دور الجمعيات الوطنية، مثل مشروع نبراس، ليكون حجر الأساس في التصدي لظاهرة المخدرات، وذلك من خلال:
1. تنفيذ حملات توعوية شاملة عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية.
2. إعداد برامج تأهيل وعلاج للمتعاطين والمتعافين، ودعمهم نفسيًا واجتماعيًا.
3. التعاون مع الجهات الأمنية والصحية لوضع سياسات فعالة للحد من انتشار المخدرات.
4. إشراك المجتمع في جهود الوقاية، من خلال التطوع والأنشطة الشبابية التوعوية.
مكافحة المخدرات ليست مسؤولية جهة واحدة فقط، بل هي مسؤولية الجميع، من الأسرة إلى المدرسة، ومن وسائل الإعلام إلى الجهات الحكومية. إن وعي المجتمع بخطورة المخدرات ودوره في الوقاية منها، إلى جانب الجهود الجبارة التي تبذلها الجمعيات والمبادرات الوطنية، هو السبيل الوحيد لحماية الأجيال القادمة من هذه الآفة القاتلة. إن بناء مجتمع خالٍ من المخدرات يحتاج إلى تكاتف الجهود، وتعزيز الوعي، وتوفير بيئة صحية تدعم الشباب وتحميهم من المخاطر. فالمستقبل لا يُبنى إلا بعقول سليمة، وأرواح متزنة قادرة على الإسهام في نهضة المجتمع وتقدّمه.